طبيعة الشئ هي صورته وما أشد سخافة رأى طائفة من المتقدمين حيث فضلوا جانب المادة في التقويم على جانب الصورة متمسكين بحجه واهية هي انه لو كانت الصورة هي الطبيعة في الشئ لكان السرير إذا غصن وصار بحيث يفرع غصنا وينبت فرع سريرا وليس كذلك بل يرجع إلى طبيعة الخشبية.
وهذا القائل كما ذكره الشيخ كأنه رأى أن الطبيعة هي المادة ولا كل مادة بل المحفوظ ذاتها في كل تغير وكأنه لم يفرق بين الصورة الصناعية والطبيعية ولا أيضا بين العارض والصورة ولم يدر ان مقوم الشئ يجب ان لا يكون منه بد عند وجود الشئ لا عند عدمه أيضا بل الصورة للشئ ما يجعل به الشئ هو ما هو بالفعل ومادته هي ما به يكون بالقوة فلا يفيد المادة وجود الشئ بالفعل بل إن أفادت فإنما أفادت قوة وجود الشئ لا غير.
الا ترى ان الطين واللبنات إذا وجدت كان للبيت وجود بالقوة واما كونه بالفعل فمستفاد من صورته حتى لو جاز ان يقوم صوره البيت لا في مادة لاستغنى عن اللبنات وما يجرى مجريها فالحاجة لبعض الصور إلى المادة لنقص وجودها الشخصي وضعفها لا لأجل أصل حقيقتها النوعية.
وسيظهر لك في مباحث المعاد ظهورا أتم مما سبق في مباحث المثل الإلهية ان جميع هذه النوعيات المركبة لها وجود صوري في عالم مقداري مجرد عن هذه المواد واستعداداتها وذلك العالم كله صوره بلا مادة والوجود فيه فعل بلا قوة و كمال بلا نقص وقرار بلا حركه ودوام بلا تجدد وحركه لا توجد في ذلك العالم أصلا لا فيها نصب ولا فيها من لغوب.
واعلم أن هيهنا ألفاظا مشتقة يستعملها أهل العلم فيقال الطبيعة والطبيعي وما له الطبيعة وما بالطبيعة وما بالطبع وما يجرى مجرى الطبيعي اما الطبيعة فقد يستعمل على معان متقاربة المأخذ عندنا وأليق ما يذكر منها ثلثه فيقال الطبيعة للمبدء الذي قد عرفتها أعني ما يباشر حركه والاستحالات