وقال أيضا ان هذا العالم قد اضمحلت قشوره وذهب دنسه وصار بسيطا روحانيا وبقى ما فيه من الجواهر الصافية النورانية في حد المراتب الروحانية مثل العوالم العلوية وبقى فيه جوهر كله قشر ودنس وخبث هذه كلماته.
أقول قد انكشف وتبين من هذه الكلمات التي في غاية الحسن والاتقان ان مذهب هذا الحكيم الرباني المشهور بين الناس بأنه دهري هو بعينه مذهب أفلاطن ومن تقدمه في حدوث العالم وخرابه وبواره وبقاء العالم الإلهي والصور الربانية.
وانه لما رأى وانكشف له اتصال أواخر هذا العالم بأوائل ذلك العالم اتصال المعلوم المفاض بعلته الفياضة واتصال ذي الغاية بغايته ولحوق الناس بكماله وتمامه وذلك العالم الربوبي باق ببقاء الله دائم بديموميته حكم أحيانا بأزلية هذا العالم بهذا المعنى كما يقال إن أبداننا باقيه ببقاء نفوسنا مع أن البدن سائل زائل في كل آن كما علم.
فقوله بدهر هذا العالم ليس يعنى به ان الصور الطبيعية الحسية التي للأفلاك وغيرها أزلية الأشخاص والاعداد بل عنى به ان صورتها العقلية البسيطة الموجودة في علم الله باقيه عنده غير داثرة بدثور هذه الحسيات المركبة وذلك لان الدثور يقتضي غاية ومعادا غير داثر كما أن الحدوث يقتضي مبدء وفاعلا غير كائن لامتناع ان يكون لكل غاية غاية إلى لا نهاية أو ان يكون لكل مبدء مبدء لا إلى بداية ففي الطرفين لا بد وان ينتهى الأشياء المتجددة إلى امر لا بداية له ولا نهاية له.
فاذن مرجع قوله ان العالم قديم على الوجه الذي مر تحقيقه إلى أن الصانع له قديم وهو المبدء الذي منه بدو كل باد والمعاد الذي إليه أوب كل آيب فما ذكره قول حق وصواب بشرط ان يعلم قائله ويذعن بان الصور العقلية الدائمة التي هي بواطن هذه الصور الداثرة الطبيعية ليست موجودات مستقلة الوجود مبائنة الذوات لوجود باريها وجاعلها الحق الأول ليلزم تعدد القدماء كما يقوله الصفاتية ولا حاله