وأيضا لا شك ان للطبيعة القائمة بمادة النطفة اقتضاء في الاستكمال وتوجها غريزيا نحو تحصيل الكمال وليس توجهها واقتضائها مبطلا لنفسه ومفسدا لصورته فمن أين حصلت علة الفساد وسبب البطلان للصورة الأولى حتى يحدث الثانية والطبيعة لا يقتضى الا حفظ صورتها والتوجه إلى غايتها وكمالها بامداد من القوى العالية.
فكما ان الصورة الطبيعية كمال للمادة الجسمية فكذا الصورة النباتية كمال وسبب غائي للصورة الطبيعية وكذلك الحيوانية غاية كمالية للنفس النباتية وهلم جرا إلى درجه العقل المستفاد وما بعده وفي جميع هذه الدرجات والمقامات وحده موضوع حركه محفوظه بواحد بالعموم من الصورة وهو نوع ما من الصور المتعاقبة على الاتصال يستحفظه وحدته الاتصالية بواحد بالعدد من الجوهر الفعال المفيض للكمال بعد الكمال حسب تزائد الاستكمال بتوارد الأحوال والاتصال أيضا ضرب من الوحدة الشخصية وإن كان على سبيل التدريج وعدم الاستقرار وهذا وإن كان فيه حيد عن المشهور لكنك تعلم أن العاقل لا يحيد عن المشهور ولا يجاوز ما عليه الجمهور ما وجد عنه محيصا.
ثم من نظر في أطوار الانسان وعجائب نشأته وعوالمه ورآه كيف تعرج تارة إلى سماء العقل رقيا وينزل إلى ارض الطبيعة هويا لم يبق له شك في أن له اشتدادا وتضعفا بحسب جوهر ذاته وانى لا أبالي بمخالفه الجمهور ومجاوزة المشهور بل المسافر يفرح بها ويفتخر فان الجمهور مستقرون ساكنون في البلد الذي هو مسقط رؤوسهم وارض ولادتهم وأول منزل وجودهم وانما يسافر منه ويهاجر الآحاد منهم دون الاعداد.
واما الذي يكسر سوره استنكارك واستبعادك حيث تقول انه يلزم الانقلاب في المهيات والذاتيات فهو انك ان تحققت وأذعنت ما أسلفناه في أن الوجود هو الأصل في الموجودية والوقوع والمهيات تابعة لأنحاء الوجودات وعلمت ان افراد الوجود بعضها أشد وبعضها أضعف كما أن بعضها أقدم من بعض بالذات لعلمت ان