صدق الحياة وهذا الصدق عهد منك وعليك، لأنه روح الجمال والحق، وإرادة الحياة القادرة الغلابة!
لعل أبرز مظاهر العدالة الكونية في عالم الجماد وعالم الحياة، وفي كل ما يتصل بطبيعة الوجود وخصائص الموجودات، هو الصدق الخالص المطلق. فعلى الصدق مدار الأرض والفلك والليل والنهار. وبالصدق وحده تتلاحق الفصول الأربعة ويسقط المطر وتسطع شمس. وبه كذلك تفي الأرض بوعدها حين تنبت ما عليها كلا في حينه لا تقديم ولا تأخير. وبه تقوم نواميس الطبيعة وقوانين الحياة. والريح لا تجري إلا صادقة، والدماء لا تطوف العروق إلا بصدق، والأحياء لا يولدون إلا بقانون صادق أمين.
هذا الصدق الخالص المطلق الذي تدور عليه قاعدة البقاء، هو الينبوع الأول والأكبر الذي تجري منه عدالة الكون وإليه تعود!
ولما كان علي بن أبي طالب شديد الملاحظة لصدق الوجود، شديد التفاعل معه، فقد جعل من همه الأول في الناس تهذيب الناس استنادا إلى ما يعقل ويحس ويرى.
والتهذيب في معناه الصحيح ومدلوله البعيد ليس إلا الاحساس العميق بقيمة الحياة وشخصية الوجود. ولما كان هذا المعنى هو المعنى الأوحد للتهذيب العظيم، كان الصدق مع الذات ومع كل موجود مادي أو معنوي، هو المحور الذي يدور عليه التهذيب، كما رأيناه محور العدالة الكونية. وبذلك ينتفي من التهذيب السليم كثير من القواعد التي تواطأ عليها