استخف به صاحبه، من ذنب عظيم عاد مقترفه إلى الرجوع عنه في الحال: (أشد الذنوب ما استخف به صاحبه). وينهاك علي عن التسرع في القول والعمل لأنه مدعاة إلى السقوط وعلى الإنسان المهذب ألا يبيح نفسه لأية سقطة: (أنهاك عن التسرع في القول والعمل).
وهو يريدك أن تعتذر لنفسك من كل ذنب أذنبت إصلاحا لخلقك، ولكنه ينبهك تنبيها عبقري الملاحظة والبيان إلى أن الإنسان لا يعتذر من خير، فعليه إذن ألا يفعل ما يضطره إلى الاعتذار: (إياك وما تعتذر منه فإنه لا يعتذر من خير). ومنعا للاشتغال بعيوب الناس وإغفال عيوب النفس، وفي ذلك ما يدعو إلى سوء الخلق والمسلك سلبا وإيجابا، يقول علي:
(أكبر العيب أن تعيب ما فيك مثله) و (من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره).
وإذا أتى القبيح من مصدر عليك أن تنكره أولا، فإن لم تستطيع ذلك تحتم عليك ألا تستحسنه لئلا تصبح شريكا فيه: (من استحسن القبيح كان شريكا فيه) وإذا كان التعاطف بين الناس ضرورة أخلاقية لأنه ضرورة وجودية على ما مر معنا في الفصل السابق، فإن منطق العقل والقلب يأمر بأن يكون عطفك على من أنطقك وأحسن إليك أكثر وأوسع.
وفي ذلك يقول علي: (لا تجعلن ذرب لسانك على من أنطقك وبلاغة قولك على من سددك). ثم يقول: (وليس جزاء من عظم شأنك أن تضع من قدره، ولا جزاء من سرك أن تسوءه).
ويهاجم الحرص والكبرياء والحسد لأنها سبيل إلى الانحدار الخلقي: (الحرص والكبر والحسد دواع إلى التقحم في الذنوب).
وإذا كان الأخلاقيون القدماء يذمون البخل فلأنه في نظرهم صفة مذمومة لذاتها. أما عند ابن أبي طالب الذي يرصد الأخلاق بنظرة أشمل وفكر أعمق، فالبخل ليس مذموما لذاته قدر ما هو مذموم لجمعه العيوب كلها، ولدفعه صاحبه إلى كل سوءة في الخلق والمسلك. فالبخيل منافق، معتد، مغتاب، حاسد ذليل، مزور، جشع، أناني، غير عادل. يقول علي: (البخل جامع لمساوئ العيوب).
ويطول بنا الحديث ويتسع إذا نحن شئنا أن نورد تفاصيل مذهب ابن أبي طالب في الأخلاق وتهذيب النفس، فهي كثيرة لم تترك حركة من حركات الإنسان إلا صورتها ووجهتها. وإذا قلت إن مثل هذا العمل طويل واسع شاق فإني أعني ما أقول. وما