عن اكتساب أخوة الناس أكثرهم نقصا: (أعجز الناس من عجز عن اكتساب الإخوان).
ويضيف علي إلى هذا العجز عجزا آخر هو الميل إلى المراء والخصومة قائلا: (إياكم والمراء والخصومة) بل إن الأولى هو لين الكلام لما فيه من شد الأواصر بين القلب، منبع الحنان والقلب: (وإن من الكرم لين الكلام). وليس بين نزعات القلب ما هو أدعى إلى الراحة من شعور المرء بأن له في جميع الناس إخوانا أحباء، فإذا تألم ابن أبي طالب من سيئات زمانه، جعل الخبز وهو آلة البقاء، والصدق وهو ركيزة البقاء، ومؤاخاة الناس في منزلة واحدة، فقال في ناس زمانه: (يوشك أن يفقد الناس ثلاثا: درهما حلالا، ولسانا صادقا، وأخا يستراح إليه).
وإذا كانت الغربة قساوة كبرى لأنها تستدعي الوحدة، فإن أشدها يكون ساعة يفقد الإنسان إخوانه وأحباءه لأنه يفقد إذا ذاك قلوبا يعز بعطفها ويحيا بحنانها: (والغريب من لم يكن له حبيب) و (فقد الأحبة غربة).
ولا بد لنا أن نشير إلى موقف ابن أبي طالب من المرأة على هذا الصعيد. فالمرأة نصف الإنسان، فهل يخلو هذا النصف من العطف على نصفه الآخر؟ وهل النصف الآخر مدعو إلى أن يجور على مقاييس العدالة الكونية القاضية بحنان الإنسان على الإنسان؟
لقد أول الكثير بعض أقوال علي في المرأة تأويلا شاؤوا به الطرافة والترفيه فوق ما شاؤوا به أن يبرزوا موقف علي منها. فألحوا على كلمات له قالها في ظروف كان أبرز ما فيها عداء امرأة معينة له وهو لم يسئ ولم يأمر إلا بمعروف. وفاتهم أن مثل هذه الأقوال الخاضعة لظرف محدود بذاته، والرامية إلى إيضاح الأسباب في صراع بين عقليتين مختلفتين كل الاختلاف، إنما قال في بعض الرجال أشد منها وأقسى، وهو بذلك لا يعني الرجال قاطبة وفي كل حالاتهم. كما أنه، حين أطلق تلك الأقوال في المرأة، لم يكن ليعني النساء قاطبة وفي كل حالاتهن. فإن مسببي الويلات التي ألمت به وبالخير عن طريقه، تعرضوا لمثل هذه الأقوال سواء أكانوا رجالا أو نسوة لهن قوة الرجال ونفوذهم. وهو إن هاجم هؤلاء وهؤلاء من نسوة ورجال، فإنما كان يهاجم فيهم مواقف معينة وقفوها من الحق والعدل وأصحابهما. وفي ذلك ما ينفي الادعاء بالإساءة إلى المرأة من قبل علي.
وإني لأسأل من يعنيهم الأمر أن يوافوني بكلمة واحدة يسئ بها علي إلى المرأة ولم تكن