مدته، رمته قسي الفناء بنبال الموت، وأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة، وورثها قوم آخرون. وإن لكم في القرون السالفة لعبرة!
أين العمالقة وأبناء العمالقة! أين الفراعنة وأبناء الفراعنة! أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين وأطفأوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين! أين الذين ساروا بالجيوش، وهزموا بالألوف، وعسكروا العساكر ومدنوا المدائن!
أين عمار ومن الخطبة السابقة نفسها:
ألا إنه قد أدبر من الدنيا ما كان مقبلا، وأقبل منها ما كان مدبرا، وأزمع الترحال عباد الله الأخيار! ما ضر إخواننا الذين سفكت دماؤهم وهم بصفين أن لا يكونوا اليوم أحياء يسيغون الغصص ويشربون الرنق (1)؟ أين إخواني الذين ركبوا الطريق ومضوا على الحق؟ أين عمار؟
وأين ابن التيهان؟ وأين ذو الشهادتين (2)؟ وأين نظراؤهم من إخوانهم الذين تعاقدوا على النية، وأبرد برؤوسهم إلى الفجرة (3)؟!