ويتابع ابن أبي طالب حلقات هذا المسلك المتماسك في دعوته إلى أن يلتف الناس جميعا، ثم الناس وسائر الكائنات، بدف ء الحنان، فيقول في العلم - وقد عرفنا قيمة العلم في مذهبه -: (رأس العلم الرفق). وهو لا يرى في كثرة الذنوب ما يهول أكثر من أنها مدعاة إلى القسوة بحكم تعودها، ومن ثم فهي سبب في نفور بارد يحل في القلوب محل حنان دافئ فيقول: (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب!) وإذا لم تكن من أهل الذنوب فأنت من أهل الحنان ومن حقك أن تبذل - بهذا الحنان - كل ما تملك لنصرة أخيك الإنسان: (فإن كنت من أخيك على ثقة فابذل له مالك ويدك، وأعنه، وأظهر له الحسن).
وأخيرا يطلق علي مجموعة من الأقوال تدور في مدار الدعوة إلى تفاني الناس في الناس عطفا وحنانا. وهي تعتبر بحق من أسمى ما يملكه الإنسان من تراث خلقي عظيم. ومنها هذه الروائع: (صل من قطعك وأعط من حرمك. أحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يحسن إليك أحسن إلى من أساء إليك. عودوا بالفضل على من حرمك الخ..) وإنجازا لهذه الدعوة الكريمة يشرك ابن أبي طالب البهائم والبقاع والناس في حق لها مشترك في الحنان فيقول: (اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم!) وهكذا، فإن عطف الإنسان على الإنسان وسائر الكائنات إنما هو حجة الحياة على الموت، بل هو إرادة من إرادة الوجود العادل!