حدود العقل والقلب وكان شديدا قاصفا، مزمجرا، كالرعد في ليالي الويل!
والينبوع هو الينبوع لا حساب في جريه لليل أو نهار.
من تتبع سير العظماء الحقيقيين في التاريخ لا فرق بين شرقي منهم أو غربي ولا قديم ومحدث، أدرك ظاهرة لا تخفى وهي أنهم، على اختلاف ميادينهم الفكرية وعلى تباين مذاهبم في موضوعات النشاط الذهني، أدباء موهوبون على تفاوت في القوة والضعف.
فهم بين منتج خلاق، ومتذوق قريب التذوق من الإنتاج والخلق. حتى لكأن الحس الأدبي، بواسع دنيواته ومعانيه وأشكاله، يلزم كل موهبة خارقة في كل لون من ألوان النشاط العظيم.
فنظرة واحدة إلى الأنبياء، مثلا، تكفي لتقرير هذه الظاهرة في الأذهان. فما داود وسليمان وأشعيا وأرميا وأيوب والمسيح ومحمد إلا أدباء أوتوا من الموهبة الأدبية ما أوتوا من سائر المواهب الخاصة بهم. وهذا نابليون القائد، وأفلاطون الفيلسوف، وباسكال الرياضي، وباستور العالم الطبيعي، والخيام الحسابي، ونهرو رجل الدولة وديغول السياسي، وابن خلدون المؤرخ، إنهم جميعهم أدباء لهم في الأدب ما يجعلهم في مصاف ذوي الشأن من أهله. فلكل منهم لون من ألوان النشاط الفكري حدده الطبع والموهبة، ثم رعت النزعة الجمالية ما دخل منه في نطاق التعبير، فإذا هو من الأدب الخالص.
هذه الحقيقة تتركز جلية واضحة في شخصية علي بن أبي طالب فإذا هو الإمام في الأدب، كما هو الإمام في ما أثبت من حقوق وفي ما علم وهدى، وآيته في ذلك (نهج البلاغة) الذي