حكما تتبلور فيها طبائع الصديق والعدو، والمحسن والمسئ، والأحمق والعاقل، والبخيل والكريم، والصادق والمنافق، والظالم والمظلوم، والمعوز والمتخم، وصاحب الحق وصاحب الباطل، ومفهوم الخلق السليم والخلق السقيم، وشؤون الجاهل والعالم، والناطق والصامت، والأرعن والحليم، وصفات الطامع والقانع، وأحوال العسر واليسر، وتقلبات الزمان وما لها من أثر في أخلاق الرجال، وما إلى ذلك من أمور لا تحصى في فصل أو باب.
أما تلك التي يخاطب بها الضمير، والعقل والضمير مجتمعين، فإليك ما هي وما حولها:
من الثابت أن الذين رأوا في الأنظمة والتشريعات وحدها سلامة الإنسان وكفاية المجتمع، قد أخطأوا خطأ عظيما. فإن هذه الأنظمة والتشريعات التي تعلن عن حقوق الإنسان وتأمر برعايتها والمحافظة عليها، لا يضبطها في النتيجة، كما لا يخلص في اكتشافها وابتداعها، إلا عقل سليم ونفس مهذبة وضمير راق. فإن دنيا الناس هذه يرتبط كل ما فيها، ضمن حدود معينة طبعا، بأخلاق القيمين على دساتيرها وأنظمتها، وبمدى الخير الذي يتسع في نفوسهم أو يضيق، بقدر ما يرتبط بضمير الجماعة التي تؤلف ميدان هذه الأنظمة والدساتير وتبرر وجودها. هذا، مع الاعتراف بأن الأنظمة الاجتماعية الحديثة تتفاوت تفاوتا عظيما في سماحها للقيمين عليها بمسايرتها أو بالخروج عليها وذلك بحكم طبيعتها وبنسبة ما تحويه أصولها من إمكانات التنفيذ. أما الأنظمة والدساتير القديمة، فقد كانت أكثر تأثرا بأخلاق القيمين عليها المشرفين على إقامة ما تقتضيه من حدود.
ولذلك أسباب ليست من موضوع حديثنا هذا.
وبالرغم من أن الأنظمة والتشريعات الصالحة من شأنها أن توجه الناس وتفرض عليهم ما يؤدي إلى نفعهم فرضا، فإن هذا التوجيه وهذا الفرض يظلان خارج حدود القيمة الإنسانية إن لم يوافقهما العمل النابع من الوجدان بالذات. وفي مذهبنا إن كل عمل يأتيه الإنسان لا بد أنه فاقد الدف ء الإنساني، وهو أثمن وأعظم ما يوافق الصنيع الإنساني، إن لم يحمل وهج الضمير وعبق النفس وإرادة العطاء على غير قسر وإكراه. ولا تنجح الأنظمة