وإني لا أعرف في مبادئ المحافظين على كرامة الإنسان كإنسان لا يتكبر ولا يتواضع بل يكون صادقا وحسب، ما يفوق هذه الكلمة لابن أبي طالب أو ما يساويها قيمة:
(الإنسان مرآة الإنسان!) ومن أقواله الدالة على ضرورة أخذ الحياة أخذا بسيطا: (ما أقبح الخضوع عند الحاجة والجفاء عند الغني. الثناء بأكثر من الاستحقاق ملق والتقصير عن الاستحقاق عي أو حسد. لا تقل ما لا تعلم. لا تعمل الخير رياء ولا تتركه حياء. يا ابن آدم، ما كسبت فوق قوتك فأنت فيه خازن لغيرك. لا ينصت للخير ليفخر به، ولا يتكلم ليتجبر على من سواه. من حمل نفسه ما لا يطيق عجز. لا خير في معين مهين). وكأني بابن أبي طالب لا يترك جانبا مما وعاه فكره وشعوره من أمور الحياة والانسان إلا أطلق فيه رائعة تختصر دستورا كاملا. وهذا ما فعله ساعة شاء أن يوجه الناس إلى أخذ الحياة أخذا صادقا بسيطا فقال هذه الكلمة الدافئة بعفوية الحياة: (إذا طرقك إخوانك فلا تدخر عنهم ما في البيت، ولا تتكلف لهم ما وراء الباب!).
وإذ يفرغ علي من حديثه الكثير الدائر حول ضرورة الصدق مع الحياة بصورة مباشرة، ثم حول البساطة التي لا يكون صدق بدونها ولا تكون بغير صدق، يواصل طريقه في مفاهيم التهذيب التي تتلازم في مذهبه وتترابط حتى لكأنها صورة عن كل موجودات الكون، والتي يظل الصدق مدارها الأول وإن تناولت وجوها أخرى من وجوه الأخلاق. فيوصي بأن يتغافل المرء عن زلات غيره فإن في ذلك رحمة من المتغافل وتهذيبا للمسئ بالسيرة والمثل أبلغ من تهذيبه بالنصيحة أو بالبغضاء، يقول، (من أشرف أعمال الكريم غفلته عما يعلم) كما يوصي بالحلم والأناة لأنهما نتيجة لعلو الهمة ثم مدرجة لكرم النفس:، (الحلم والأناة توأمان ينتجهما علو الهمة). ويكره الغيبة لأنها مذهب من النفاق والإساءة والشر جميعا: (اجتنب الغيبة فإنها إدام كلاب النار). والخديعة مثل الغيبة وكلتاهما من خبث السرائر: (إياك والخديعة فإنها من خلق اللئام). وكما رأى أن كذبة واحدة لا تجوز لأن الصدق ينكسر بها، يرى أن كل ذنب مهما كان في زعم صاحبه خفيفا قليل الشأن هو شديد لأنه ذنب، بل إنه أشد وقعا على كرامة الإنسان إذا