اتفقت كلمة الفريقين من الأشاعرة والمعتزلة على أن من أفعال العباد ما يشتمل على المصالح والمفاسد، وما يشتمل على الصفات الكمالية، والنقصانية، وهذا مما لا نزاع فيه، ويبقى النزاع في أن الأفعال التي تقتضي الثواب أو العقاب، هل في ذواتها جهة محسنة، صارت تلك الجهة سبب المدح والثواب، أو جهة مقبحة، صارت سببا للذم والعقاب أو لا؟
فمن نفى وجود هاتين الجهتين في الفعل، ماذا يريد من هذا النفي؟
إن أراد عدم هاتين الجهتين في ذوات الأفعال، فيرد عليه أنك سلمت وجود الكمال والنقص والمصلحة والمفسدة في الأفعال، وهذا عين التسليم بأن الأفعال في ذواتها جهة الحسن والقبح، لأن المصلحة والكمال حسن والمفسدة والنقص قبح.
وإن أراد نفي كون هاتين الجهتين مقتضيتين للمدح والثواب بلا حكم الشرع بأحدهما لأن تعيين الثواب والعقاب للشارع، والمصالح والمفاسد التي يدركهما العقل، لا يقتضي تعيين الثواب والعقاب بحسب العقل، لأن العقل عاجز عن إدراك أقسام المصالح والمفاسد في الأفعال، ومزج بعضها ببعض حتى يعرف الترجيح ويحكم بأن هذا الفعل حسن لاشتماله على المصلحة، أو قبيح لاشتماله على المفسدة، فهذا الحكم خارج عن طوق العقل فتعين تعينه للشرع.
فهذا (1) كلام صالح صحيح لا ينبغي أن يرده المعتزلي.
مثلا: شرب الخمر كان مباحا في بعض الشرائع، فلو كان شربه حسنا في ذاته بالحسن العقلي، كيف صار حراما في بعض الشرائع الأخر؟
هل انقلب حسنه الذاتي قبحا؟