الفصل التاسع أدلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين أقام القائلون بالتحسين والتقبيح العقليين أدلة ساطعة على أن العقل يدرك حسن بعض الأفعال وقبحها، فيبعث إلى الأول، ويزجر عن الثاني. ونحن نقتصر في هذا المقام على دلائل ثلاثة:
الأول: بداهة العقل إن الحكم المزبور من الأحكام البديهية للعقل العملي، وكل إنسان يجد من نفسه حسن العدل وقبح الظلم، وإذا عرض الأمرين على وجدانه وعقله يجد في نفسه نزوعا إلى العدل وتنفرا عن الظلم، وهكذا سائر الأفعال التي تعد من مشتقات الأمرين.
وربما يقال: إن الحكم بالتحسين والتقبيح ليس ناتجا من صميم العقل، وإنما هو وليد التعاليم الدينية الراسخة، التي يعتمد عليها المصلحون في دعواتهم، فصار ذلك سببا لرسوخ تلك الفكرة في أذهان الناس.
ولنا مع هذا الكلام وقفة قصيرة، ذلك أنه لو كانت تلك الفكرة ناتجة من دعوة المصلحين الذين حازوا على سهم وافر فيها، لاختصت بهم، ولكن نجد أن تلك الفكرة عامة تشمل كافة الأمم والطوائف البشرية حتى الذين لا يمتلكون خلفيات إيمانية، وقد أشار المحقق الطوسي إلى ذلك الدليل، بقوله:
وهما عقليان للعلم بحسن الإحسان وقبح الظلم من غير شرع.