الوقوف على الملزوم واللازم، وهذا بخلاف الحسن والقبح بالنسبة إلى موضوعهما، فليس هناك تلازم بينهما في الذهن أو في الخارج، وإنما يوصف كل بالحسن والقبح عند المقايسة، وهو إذا قيس العدل أو الظلم على الفطرة الإنسانية التي نعبر عنها بالبعد الملكوتي أو البعد الروحاني، فيجد العقل أحدهما ملائما ومطابقا لقضاء الفطرة والآخر مخالفا لها، فيحكم بحسن الأول وقبح الثاني، فليس هناك واقعيتان وراء حكم العقل وقضائه، كما هو الحال في لازم الماهية، بل الواقعية الثانية - أعني: الحسن والقبح - هي قضاء العقل وإصداره الحكم بعد الملائمة أو المنافرة.
وبذلك يظهر أن التحسين والتقبيح من الأمور الذهنية، ولكن لا من الاعتباريات المعروفة التي ربما تكون قائمة باعتبار المعتبر، كالملكية للمال والزوجية للمرأة بحيث لو غض النظر عن الاعتبار لما كان للمعتبر أي نحو من الواقعية، بل من الأحكام العقلية، الصادرة من العقل عند المقايسة، وإحساس الملائمة للفطرة أو المنافرة لها.
كلام للمحقق الاصفهاني ثم إن للمحقق الشيخ محمد حسين الاصفهاني (1296 - 1361 ه) كلاما قيما في تفسير ذاتية التحسين والتقبيح نأتي بنصه:
إن حديث كون حسن العدل وقبح الظلم ذاتيا، لا يراد منه ما هو المصطلح عليه في كتاب الكليات (باب الإيساغوجي)، لوضوح أن استحقاق المدح والذم ليس جنسا ولا فصلا للعدل والظلم، وليس المراد منه ما هو المصطلح عليه في كتاب البرهان، لأن الذاتي هناك ما يكفي وضع نفس الشئ في صحة انتزاعه منه، كالإمكان بالإضافة إلى الإنسان مثلا، وإلا لكان الإنسان في حد ذاته إما واجبا أو ممتنعا.