ولو تجرد " ماركس " عن برامجه الحزبية لوقف على أن الحكم على الإنسانية وفق ما يجري في الطبيعة الصماء إسراء قانون من موضوع إلى موضوع آخر بينهما غاية البعد، إذ أين الإنسان الشاعر المختار العاقل الذي يستطيع أن يقف على مصالحه ومفاسده بالعقل والتجربة والمشورة، من الطبيعة الصماء؟!
كل ذلك دلائل قاطعة على أن نظرية الانبثاق نظرية خاطئة، وليس من واجب الإنسان أن ينظر إلى ما في الكون من قوانين ثم يطبقها بحذافيرها على حياته وسلوكه، فلو قلنا بعدم الصلة بهذا المعنى بين الحكمتين فلم نبتعد عن جادة الصواب.
وحصيلة البحث: أن الأخلاق والقوانين الحاكمة على المجتمعات الصغيرة والكبيرة، لا يمكن أن تمليها الطبيعة الصماء بل يمليها عقل الإنسان وتجربته، فما كان مفيدا لحاله وحال مجتمعه، يأخذ به، وما كان ضارا له يرفضه.
ب. انفصام الصلة بين الحكمتين أنكر الفيلسوف الانكليزي " ديفيد هيوم " الصلة - بين الحكمتين، واستند إلى أمرين:
1. إن طريقة البحث في الحكمة النظرية تغاير طريقته في الحكمة العملية، فالباحثون في القسم الأول يبحثون في الوجود واللاوجود، مثلا يقول: (الخالق موجود)، (الملك موجود)، وفي الوقت نفسه يبحث في الحكمة العملية عن الوظائف الفردية والاجتماعية، وعندئذ يتبدل كلامه من الإخبار إلى الإنشاء، يقول:
اعبدوا الله تبارك وتعالى، فبين الحكمتين بون شاسع، فأين الوجود والعدم - الذي يدور حولهما رحى الحكمة النظرية - من الإيجاب والحظر الذي يدور حولهما رحى الحكمة العملية؟