2. التحسين والتقبيح الاقتضائيان وتهدف هذه النظرية إلى القول بأن نفس الفعل مجردا عما يترتب عليه من المصالح الاجتماعية أو الفردية، وكذا المفاسد، ليس علة تامة لقضاء العقل بالتحسين والتقبيح، وإنما للفعل اقتضاء لأحد الحكمين، ومع ذلك يمكن أن يتغير حكم العقل بطروء عناوين تحول الحسن قبيحا والقبيح حسنا، كحسن الصدق وقبح الكذب، فإن حكم العقل بحسن الأول وقبح الثاني ليس حكما ذاتيا لا يتغير ولا يتبدل، وليس الفعل علة تامة بل مقتض لأحد الحكمين لولا طروء المانع، ولذلك لو كان الصدق مظنة الفتنة وإراقة الدماء، يصير قبيحا والكذب على العكس.
والفرق بين النظريتين هو أن الفعل - على النظرية الأولى - بما هو هو علة تامة للحكم بالحسن أو القبح ولا يتغير ولا يتبدل مهما تغيرت الظروف والأحوال فلو صار الصدق مبدأ للفتنة يحكم العقل بتركه، كما أن الكذب لو صار مبدأ للصلاح يحكم بفعله وذلك لا يستوجب زوال حسن الأول وقبح الثاني، بل الصدق باق على حسنه، والكذب على قبحه، ولكنه يرجح ارتكاب أقل القبيحين وهو الكذب لدفع ما هو أكثر قبحا، أعني: قتل الإنسان.
هذا على القول الأول، وأما على القول بالاقتضاء فيزول حسن الصدق وقبح الكذب في هذه الظروف فينقلب الحسن قبيحا والقبيح حسنا.
3. التحسين والتقبيح في إطار المصالح والمفاسد تؤكد هذه النظرية على القول بالتحسين والتقبيح العقليين، ولكن دون أن يكون الفعل علة تامة أو مقتضيا له، وإنما يدور حكم العقل بالتحسين والتقبيح