الفصل الثامن القضايا البديهية في الحكمة العملية إن تقسيم الحكمة النظرية إلى ضرورية وغير ضرورية أمر واضح لا سترة فيه، كما أن تقسيم البديهيات إلى مراتب ودرجات أمر لا غبار عليه، لذلك نرى أن البرهان المفيد للعلم واليقين يتشكل من الأوليات والمشاهدات والتجربيات والحدسيات والمتواترات والفطريات، وكلها من الأمور اليقينية البديهية ولكن للبداهة درجات.
هذا هو حال الحكمة النظرية، ومثلها الحكمة العملية - أي إدراك العقل ما من شأنه أن يعمل به - فهي أيضا تنقسم إلى ضرورية وغير ضرورية - أي ما يدرك العقل العملي لزوم العمل به بضرورة وبداهة - كحسن الإحسان وقبح الظلم، وأخرى لا يدركه إلا أن يرجع إلى مثل هذا الأمر البديهي في العقل العملي.
والسبب وراء تقسيم العقل العملي إلى ضروري وغير ضروري، هو نفس السبب في تقسيم الحكمة النظرية إلى ضرورية ونظرية، لأن القضايا لو كانت جميعها بديهية في الحكمة النظرية لما احتاجت إلى التفكير، ولم يكن هناك أي مشكلة فكرية، ولو كانت بأسرها نظرية لتاه الإنسان في دوامة من المشاكل الفكرية دون أن يجد حلولا لها، لأن المفروض انعقاد القضايا على نمط واحد، فلم يكن بد إلا أن تكون القضايا في الحكمة النظرية على قسمين: يستمد من البديهي في حل النظري.