العقل حسن الشئ أو قبحه، فالأول يجب أن يفعل، والثاني يجب أن يترك، فهذا التقسيم هداهم إلى البحث عن الحسن والقبح العقليين.
وبذلك صارت فلاسفة الإغريق سباقين في هذا المضمار، وإن لم يبلغوا في تفريع القاعدة وتشريحها المرتبة التي وصل إليها الإسلاميون.
مكانة القاعدة في الكلام الإسلامي بزغ نجم الإسلام وبسط نفوذه على أصقاع شاسعة من الأرض واعتنقته أمم وأقوام متنوعة الحضارات، مما دفع إلى تنامي الاحتكاك الثقافي بين الإسلام وسائر الحضارات، وأعقبه نشاط حركة الترجمة لا سيما ترجمة الكتب الفلسفية والكلامية لأصحاب الديانات المختلفة، إلى العربية، فتواردت أفكار جديدة احتضنها المسلمون وأرسوا قوائمها وبلغوا القمة في البحث والتنقيب.
ومما ألفت نظرهم هي قاعدة التحسين والتقبيح العقليين التي استخدمها علماء الإغريق لإرساء القيم الأخلاقية وإثبات المثل الخالدة، ولكن المسلمين نحوا بها منحى آخر وهو التعرف على أفعاله تبارك وتعالى، ومعرفة ما يجوز عليه عند العقل عما لا يجوز، فكان التوحيد والعدل هي المهمة الأولى للمفكرين من المسلمين.
فالبحث عن التوحيد لغاية قمع الشرك، والدعوة إلى توحيده سبحانه بمراتبه المختلفة، أعني: توحيد الذات والأفعال والصفات.
كما أن البحث في العدل لمعرفة ما يجوز عليه سبحانه عما لا يجوز، فكل فعل استكن تحت ظلال العدل فهو جائز عليه حسب حكمته، وكل ما دخل تحت عنوان الظلم فلا يجوز عليه، بحجة أن العدل حسن والظلم قبيح. فصار ذلك