وهذا مما لا يجوز، فبقي أنه كان مشتملا على مصلحة ومفسدة كل واحد منهما بوجه، والعقل كان عاجزا عن إدراك المصالح والمفاسد بالوجوه المختلفة، فالشرع صار حاكما بترجيح جهة المصلحة في زمان، وترجيح جهة المفسدة في زمان آخر، فصار حلالا في بعض الأزمنة وحراما في البعض الآخر.
فعلى الأشعري أن يوافق المعتزلة، لاشتمال ذوات الأفعال على جهة المصالح والمفاسد، وهذا يدركه العقل ولا يحتاج في إدراكه إلى الشرع، وهذا في الحقيقة هو الجهة المحسنة والمقبحة في ذوات الأفعال.
وعلى المعتزلي أن يوافق الأشعري أن هاتين الجهتين في العقل لا تقتضي حكم الثواب والعقاب والمدح والذم باستقلال العقل، لعجزه عن مزج جهات المصالح والمفاسد في الأفعال.
وقد سلم المعتزلي هذا فيما لا يستقل العقل به، فليسلم في جميع الأفعال، فإن العقل في الواقع لا يستقل في شئ من الأشياء بإدراك تعلق الثواب، فإذن كان النزاع بين الفريقين مرتفعا، تحفظ بهذا التحقيق، وبالله التوفيق. (1) لقد سعى القائل جاهدا إلى التوفيق بين المذهبين لما رأى من البراهين الساطعة على بطلان مذهبه، فتارة يتخذ موقفا يوافق فيه المعتزلة، ويدعو الأشاعرة إلى الانصياع وأخرى يتخذ موقفا يوافق فيه الأشاعرة ويدعو المعتزلة إليه، وما هذا الموقف المضطرب إلا نتيجة وقوفه على عدم صحة نفي الحسن والقبح العقليين، فلذلك نعود ونقول:
أ. ما ذكره من أن أفعال العباد تشتمل على المصالح والمفاسد، ويكون هذا سببا لتحسين الفعل أو تقبيحه، غير تام، لما عرفت من أن الحسن والقبح العقلي لا