أنه لا يجيبه إلا إذا فعل معه نوعا من التأدب، فإذا لم يفعل الداعي ذلك النوع من التأدب كان ناقضا لغرضه، فوجوب اللطف يستلزم تحصيل الغرض. (1) ولتوضيح القاعدة نمثل مثالا آخر وهو أن العبد يحكم بقبح قتل الأولاد ووأد البنات، ولكن ربما لا يؤثر حكم العقل في ردع البعض إلا إذا تزامن مع حكم الشرع وإيعاده بالعذاب الدائم، فحكم الشارع هنا لطف يقرب العبد من الطاعة، وهكذا الأمر في أكثر المحرمات التي يستقل العقل بقبحها، فالأحكام الشرعية ألطاف في الأحكام العقلية، وتوجب تقرب العبد من الطاعة والانزجار عن المعصية، ولولا هذه التكاليف والوعود لما كان هنا تأثير للتحسين والتقبيح العقليين، وإلى ما ذكرنا تشير القاعدة المعروفة " الواجبات الشرعية ألطاف في الواجبات العقلية ".
إن قاعدة اللطف قاعدة كلامية لها دور فعال في تحليل المسائل الكلامية، وهي مبنية على التحسين والتقبيح العقليين، ولولا القول بهما لما قام لها عمود ولا اخضر لها عود، ويتضح دوره من خلال بيان الثمرة التالية.
4. بعثة الأنبياء إن العقل يحكم بلزوم بعث الأنبياء، وذلك لأمرين رئيسيين:
الأول: إن للعقل أحكاما كلية كلزوم شكر المنعم وعبادته، إلا أنه عاجز عن الخوض في تفاصيلها فوجب من باب اللطف بعث الأنبياء لغاية إيضاح كيفية أداء الواجب وبيان المزيد من التفاصيل.
الثاني: ما يدرك العقل حسنه وقبحه، ولكن ربما لا يكون إدراكه هذا باعثا أو