ولكن المغالطة تكمن في الأمر الأول، إذ لا نسلم حسن العمل بالوفاء على وجه الإطلاق، وإنما هو حسن إذا كان المتعلق أمرا حسنا لا قبيحا، فلو وعد إنسان أن يقتل آخر فليس الإيعاد أمرا حسنا يجب تنفيذه بل هو قبيح، فالاستدلال من الوهن بمكان.
والعجب من هؤلاء حيث حاولوا إثبات قاعدة كلية على أمر لا أساس له من الصحة، فبدل أن يكرسوا جهودهم إلى دراسة نفس القضايا وعلاقاتها وما يحكم به العقل والعقلاء حاولوا إثبات ما اختاروه بهذا المثال الذي لا يعرف كنهه إلا بعد بذل عناء كبير. وأعجب منه ما ذكره التفتازاني في نظير المقام، وقال: هذه مغلطة تحير في حلها عقول العقلاء، وفحول الأذكياء، ولهذا أسميتها مغلطة جذر الأصم، ولقد تصفحت الأقاويل فلم أظفر بما يروي الغليل. (1) الدليل الرابع: التحسين والتقبيح العقليان، فرض تكليف على الله سبحانه هذا الدليل الذي نذكره هو أكثر تداولا على ألسنة السذج من الناس الذين ينكرون قابلية العقل على إدراك الحسن والقبح، حيث يقولون: بأن القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين يوجبون على الله ما يوجبون على العبد، ويحرمون عليه من جنس ما يحرمون على العبد، ويسمون ذلك العدل والحكمة مع قصور عقلهم عن معرفة حكمته. (2) والجواب: أولا: أن المستدل - على فرض صحة استدلاله - خلط بين المسألتين:
أ. مسألة قابلية العقل على درك الحسن والقبح.