أقول: ثمة احتمال آخر، وهو: أنه من الممكن أن يأمر الشارع بالقبيح ويأمر بالمنكر، أو أن يكذب في إخباره عن الحسن والقبيح، فلا ينتفي ذلك الاحتمال إلا بطرح قضية أخرى وهي:
إن الأمر بالقبيح، والنهي عن المعروف، أو صدور الكذب أمر قبيح، يمتنع صدوره من الله سبحانه. لكن هذه القضية التي هي المكملة لعلمنا بحسن الأفعال وقبحها شرعا، موقوفة على ثبوت أحد أمرين:
أ. أن يحكم العقل بامتناع صدور القبيح من الله سبحانه، والمفروض أن هذا الباب موصد أمام المنكرين للحسن والقبح.
ب. أن يحكم الشرع بامتناع الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، أو صدور الكذب من الله سبحانه، ومن الواضح أن هذه الأخبار لا ترفع الاحتمال السابق، لاحتمال أن يكون كلامه هذا أيضا كذبا، أو من قبيل الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف، وبذلك يظهر معنى الدور الذي أشار إليه الفاضل القوشجي بوضوح.
ثم إنه أشكل على محذور الدور بما هذه عبارته:
إنا لا نجعل الأمر والنهي دليلي الحسن والقبح ليرد ما ذكرتم، بل نجعل الحسن عبارة عن كون الفعل متعلق الأمر والمدح، والقبح عن كونه متعلق النهي والذم. (1) يلاحظ عليه: أن ما ذكره مغالطة محضة لا تزيل الإشكال، لأنا نفترض أن الأمر والنهي ليسا دليلي الحسن والقبح، بل دليلهما عبارة عن كون الفعل متعلق الأمر والنهي، ولكن هناك احتمالات لا يمكن رفعها إلا بحكم العقل.