الفصل الأول الجذور التاريخية للقاعدة إن المتكلمين من المسلمين قد خاضوا غمار تلك القاعدة وبحثوا فيها بحثا مبسوطا عجت بها الكتب الكلامية - ومع الاعتراف بذلك - إلا أن القاعدة ليست من ابتكاراتهم، بل سبقتهم فلاسفة الإغريق منذ وقت مبكر، عند تقسيمهم الحكمة إلى نظرية وعملية، وحاصل التقسيم أن ما يدركه الإنسان على قسمين:
أ. يدرك الإنسان ما من شأنه أن يعلم، مثل الله موجود، والعقل موجود، أو أن زوايا المثلث مساوية لزاويتين قائمتين.
ب. يدرك ما من شأنه أن يعمل، كقولنا: العدل حسن، والظلم قبيح.
قال المعلم الثاني الفارابي (المتوفى 339 ه): إن الحكمة النظرية هي التي بها يحوز الإنسان علم ما ليس من شأنه أن يعمله إنسان، والحكمة العملية هي التي يعرف بها ما من شأنه أن يعمله الإنسان بإرادته. (1) ثم إن إدراك ما من شأنه أن يعمله الإنسان: إما راجع إلى سياسة المدن وتدبير المجتمع، أو راجع إلى تدبير المنزل وإدارة العائلة، أو إلى الأخلاق والقيم التي يجب أن يتخلق بها الإنسان في حياته.
ومن المعلوم أن تمييز الفضائل والرذائل رهن ملاك، ومن الملاكات إدراك