وفي كلام بعض الأشاعرة إلماع لما ذكرنا، يقول النسفي (المتوفى 537 ه):
وفي إرسال الرسل، حكمة.
ويقول التفتازاني (المتوفى 791 ه) في شرحه على العقائد: أي مصلحة وعاقبة حميدة. وفي هذا إشارة إلى أن الإرسال واجب لا بمعنى الوجوب على الله تعالى، بل بمعنى أن قضية الحكمة تقتضيه لما فيه من الحكم والمصالح وليس بممتنع. (1) وكلامه هذا نفس ما ذكرناه، وهذا دليل على أن الأشاعرة قد أظهروا نوعا من المرونة للعدلية عبر الزمان.
الدليل الخامس: التحسين والتقبيح لا يجتمعان مع الجبر إن الأشاعرة لما اختاروا كون الإنسان مجبورا في أعماله، وأن فعله ليس فعله، بل فعله سبحانه عند تعلق إرادة العبد، رتبوا على هذا الأصل امتناع القول بالتحسين والتقبيح العقليين وقرروه بوجوه:
1. قرره فخر الدين الرازي (المتوفى 680 ه) بقوله: لو قبح الشئ لقبح إما من الله أو من العبد، والقسمان باطلان، فالقول بالقبح باطل، إما أنه لا يقبح من الله فمتفق عليه، وإما أنه لا يقبح من العبد، فلأن ما صدر عنه [إنما هو] على سبيل الاضطرار، لما بينا من أنه يستحيل صدور الفعل عنه إلا إذا أحدث الله فيه الداعي إلى ذلك الفعل، ومتى أحدث الله الداعي فيه إليه كان الفعل واجبا، وبالاتفاق لا يقبح من المضطر شئ. (2)