وعلى ضوء ذلك فقضية الحسن والقبح العقليين - عند هؤلاء الذين أسميناهم - من القضايا المشهورة التي قبلها الناس وليست من اليقينيات، ولذلك تستخدم في باب الجدل دون البرهان.
وهذا هو الظاهر من كلمات علماء الإسلام، ودونك نصوصهم:
1. قال الشيخ الرئيس في كتاب النجاة: وأما الذائعات فهي مقدمات وآراء مشهورة محمودة أوجب التصديق بها إما شهادة الكل، مثل: إن العدل جميل. وإما شهادة الأكثر، وإما شهادة العلماء، أو شهادة أكثرهم أو الأفاضل منهم، فيما لا يخالف فيه الجمهور، وليست الذائعات من جهة ما هي هي مما يقع التصديق بها في الفطرة، فإن ما كان من الذائعات ليس بأولى عقلي ولا وهمي، فإنها غير فطرية، ولكنها متقررة عند الأنفس، لأن العادة تستمر منذ الصبا، وفي الموضوعات الاتفاقية.
وربما دعا إليها محبة التسالم والإصلاح المضطر إليهما الإنسان، أو شئ من الأخلاق الإنسانية، مثل الحياء والاستئناس، أو سنن قديمة بقيت ولم تنسخ، أو الاستقراء الكثير، أو كون القول في نفسه ذا شرط دقيق بين أن يكون حقا صرفا، أو باطلا صرفا، فلا يفطن لذلك الشرط ويؤخذ على الإطلاق، وإذا أردت أن تعرف الفرق بين الذائع والفطري، فأعرض قولك: " العدل جميل " و " الكذب قبيح " على الفطرة التي عرفنا حالها وتكلف الشك فيها تجد الشك متأتيا فيهما وغير متأت في أن الكل أعظم من الجزء وهو حق أولى. (1) وكلامه هذا صريح في أن المشهورات والذائعات ليست من الأمور اليقينية، ولذلك قال: إن الشك يتطرق إلى قولنا: العدل جميل، والكذب قبيح، ولا يتطرق إلى قولنا: الكل أعظم من الجزء.