وقداستها، ويرون أن القوانين المكتشفة ليست قطعية ولا مطلقة ولا منزهة عن التبدل والتغير، فسواء أكانوا على حق في هذا المدعى أو لا فهم يثبتون وراء كلامهم هذا قضية قطعية مقدسة، وهي قطعية هذه القاعدة بالذات، (لا إطلاق ولا قطعية) وشمولها لجميع الأزمنة والأمكنة، فهم في الوقت الذي ينفون قطعية الآراء وإطلاق القوانين، يثبتون قانونا قطعيا ثابتا غير خاضع للتغير.
وهذا دليل على الفرق الواضح بين العلوم القائمة بالذهن والواقع الذي تنطبق العلوم عليه فالأصول الديالكتيكية علوم قائمة بذهن المادي غير خاضعة للتغير، وأما موارد تلك الأصول من الجوهر والعرض فلم تزل في مهب التغير والتحول.
سر ثبات الحسن والقبح العقليين ما مر من البيان الضافي يثبت بجلاء سر ثبات الحسن والقبح العقليين، وتعاليهما عن طروء التغير والتحول عليهما، وإن كان الإنسان في حياته والعالم الذي يعيش فيه مهيأ للتغير، وذلك لأن المعيار في حسن الفعل وقبحه عبارة عن ملائمة الفعل للفطرة ومجاوبته معها، أو منافرته ومجانبته عنها، فهذا هو الملاك لثبات الحسن والقبح، وبالتالي ثبات غرائز الإنسان وميوله العلوية والسفلية، فما دام الإنسان إنسانا فقد فطرت طينته بالرغبة إلى العدل والإيثار والعمل بالميثاق إلى غير ذلك من الأصول، كما عجنت فطرته بالتضجر من أضدادها، فالإنسان الذي كان في غابر القرون يشترك مع الإنسان في العصر الراهن في الميول والغرائز من دون فرق بينهما البتة، وهذه الوحدة هي سر ثبات القيم.
فالحكيم يعرف الإنسان بأنه حيوان ناطق، ولكن العالم الأخلاقي يرى أنه تعريف ناقص، وإن كان في نظر الحكيم تعريفا كاملا، لتركيزه على التفكير