الفصل الرابع عشر ثبوت الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع قد ثبت مما سبق استقلال العقل بدرك حسن بعض الأفعال أو قبحها، وحكمه بإتيان الأول والانتهاء عن الثاني، وعندئذ يقع الكلام في أنه هل يمكن أن يكون حكم العقل مصدرا لحكم الشرع؟
فالعدلية - أعني: الشيعة والمعتزلة - على الملازمة فهو عندهم طريق للوصول إلى الحكم الشرعي، وأما الأشاعرة من أهل السنة والأخبارية من الشيعة على عدم الملازمة، والمهم هو تبيين محل النزاع، فإنه غير منقح في كلامهم، كما كان الأمر كذلك في مسألة التحسين والتقبيح.
إن هنا مسألتين:
الأولى: إذا استقل العقل بالتحسين والتقبيح، كمدح المحسن وذم المسئ، فهل يستقل بأن الأمر كذلك عند الشرع وأنه أيضا باعث إلى الإحسان، وزاجر عن الظلم ومادح المحسن وذام للمسئ؟
الثانية: إذا استقل العقل بوجود المصلحة في الفعل أو المفسدة فيه، واستقل بلزوم فعل الأولى والاجتناب عن الثانية، فهل يكشف ذلك عن كونه حراما، أو واجبا عند الشرع، بحيث يكون العلم بالمصالح والمفساد من مصادر التشريع الإسلامي أو لا؟