والجواب: أنه يكفي في أن يكون للقضية مطابقا في الخارج، تطابقها مع الفطرة الإنسانية أو البعد الملكوتي، فإن الإنسان حينما يتصور القضية، ويعرضها على البعد الملكوتي والفطرة السليمة يراهما متطابقتين، وللفطرة واقعية عينية في الخارج، وقد ذكر الشيخ في كتاب النجاة معنى للفطرة ربما يكون صالحا لنقض كلامه به، وقال:
ومعنى الفطرة أن يتوهم الإنسان نفسه، حصل في الدنيا، دفعة وهو بالغ عاقل لكنه ولم يسمع رأيا ولم يعتقد مذهبا، ولم يعاشر أمة، ولم يعرف سياسة، لكنه شاهد المحسوسات، وأخذ منها الخيالات ثم يعرض منها على ذهنه شيئا ويتشكك فيه، فإن أمكنه الشك فالفطرة لا تشهد به، وإن لم يمكنه الشك، فهو ما يوجبه الفطرة. (1) فحسن العدل داخل في الأمور الفطرية بهذا المعنى، وقضية (العدل حسن) إذا تصورها الإنسان وتجرد عن كل شئ لا يساوره الشك فيها.
وأما المشهورات فلا شك في تطابق العقلاء على " حسن العدل " لما فيه بقاء النظام، و " قبح الظلم " لما فيه من زواله.
فعد تلك القضية من المشهورات لا ينافي كونها من الأوليات، وتخصيص الأوليات بالعقل النظري بعد لم يثبت، فإن منها ما يرجع إلى العقل النظري ومنها ما يرجع إلى العقل العملي.