نقد وتحليل أولا: إذا كانت سمة الفعل الأخلاقي هو القيام به بدافع العمل بالتكليف من دون أن يتأثر الإنسان بوازع داخلي أو عامل خارجي، فهذا النوع من الفعل لا يقوم به إلا الأمثل فالأمثل من الناس، مع أن " كنت " بصدد تبيين الأخلاق لعامة الناس.
إن الأكثر لا يقومون بالعمل إلا بدافع داخلي أو حافز خارجي، فالفعل إذا كان إجابة للغريزة أو مطلوبا لمن يخاف مخالفته يقوم الإنسان به دون ما إذا تجرد عن كلا الدافعين. اللهم إلا إذا كان إنسانا مثاليا متجردا عن كل ميل ونزوع.
وثانيا: أن الإتيان بالفعل لأجل حسنه أو تركه لأجل قبحه، أوفق بكونه فعلا أخلاقيا مما فسره " كنت " فإن الفاعل في الصورة الأولى يكون فاعلا عالما واعيا بوصف الفعل فيشعر بحسنه ويأتي به، وهذا بخلاف الإتيان به لأجل تلبية نداء الباطن، حيث يأتي به لا عن وعي ولا شعور، وأيهما أفضل وأقرب إلى الأخلاق.
وثالثا: أن تخصيص الفعل الأخلاقي بما يوحيه نداء الضمير، تفسير له بوجه أخص، إذ هناك أعمال كثيرة داخلة في إطار الأخلاق وليست من تلك المقولة، كأعمال الصالحين المؤمنين بالله ورسوله حيث يقومون برفع عيلة الفقراء ببناء المستشفيات والمدارس والمرافق العامة، فالداعي لهم هو كسب رضا الله سبحانه أو كون الفعل حسن في ذاته، فهذا النوع من الفعل أخلاقي ولكنه خارج عن الإطار الذي حدده " كنت ".
هذه بعض التأملات في ذلك المذهب، ولعله هناك إشكالات أخرى يعلم حالها مما ذكرنا.