الفصل العاشر أدلة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين ذهبت الأشاعرة من المتكلمين إلى أن العقل عاجز عن درك حسن الأفعال وقبحها، وفي كلامهم هذا تداع لكلام السوفسطائيين حيث كانوا ينكرون الحقائق العينية حتى وجودهم أنفسهم في ظل شبهات واهية.
والذي يسهل الخطب أن الأشاعرة أكثر تعقلا من السوفسطائيين، ولذلك لما واجهوا أدلة القائلين بالتحسين والتقبيح العقليين، وأدركوا بوجدانهم أن الإنكار المطلق أشبه بإنكار البديهيات، حاولوا أن يبتكروا معاني متعددة للحسن والقبح أو ملاكات لهما، فسلموا التحسين والتقبيح في بعض المعاني والملاكات دون بعض، وقد جعلوا من بعض معانيه إدراك العقل استحقاق الفاعل الثواب والعقاب فأنكروه مع أنه لا صلة له بالبحث أبدا.
وهؤلاء وإن رفعوا راية الإنكار ولكنهم تراجعوا عنها، وقد سبق منا نقل كلام الفاضل القوشجي: أن الحسن والقبح بمعنى كون فعل كمالا كالعلم، وكون فعل آخر نقصا كالجهل مما يدركه العقل، كما أن اشتمال الفعل على المصلحة كالعدل، أو المفسدة كالظلم مما يدركه العقل أيضا، ثم أضاف معنى ثالثا، وقال:
ملائمة الفعل لغرض الفاعل ومنافرته غرضه كما في قتل زيد، فإنه يؤمن