الحرج، ولكنه لما دار الأمر بين ارتكاب أحد القبيحين الأصغر وهو الكذب، والأكبر وهو قتل الأبرياء، فيقدم العقل، الأقل قبحا على الأكثر منه، كما هو الحال في باب التزاحم في باب الأغراض والمقاصد حيث يقدم الأهم على المهم، أو الأقل مفسدة على الأكثر مفسدة.
والحاصل: أن الصدق في هذه الظروف أيضا حسن، كما أن الكذب فيها أيضا قبيح، غير أن العقل لا يرخص العمل الحسن للحيلولة دون قتل الأبرياء، أو يجوز الكذب لدفع القبيح الأكبر.
7. القيم الأخلاقية والحرص على إجرائها إن أكثر المذاهب الأخلاقية تنطوي على التزامات، وتوصي باتباعها، فمثلا:
تأمر بالصدق في الكلام، والوفاء بالمواثيق، والنهي عن الكذب إلى غير ذلك من القضايا. ولكنها لا تخرج عن إطار الإيصاء ولكن المنبع الأخلاقي في الإسلام، يتجلى - وراء كونه منهجا منسجما مسايرا للحياة ضامنا للسعادة - في ضرورة العمل وفق تلك القضايا والوصايا، وذلك بوضع ضمانات ووعد ووعيد في ذلك المجال.
فأغلب المناهج الأخلاقية لا تتجاوز عن كونها وصايا مجردة، لا تدعمها أي جنبة إجراء، إلا الحس الأخلاقي أو ما يعبر عنه بالوجدان، ولكنه لا يشكل دعامة قوية أمام إجراء القوانين بصورة صحيحة بل ينهار أمام التيارات النفسانية الجارفة التي تزيل كل رادع أمامها. مما يشكل ثغرة واضحة في كيان المذاهب الأخلاقية الوضعية.
أما المذهب الأخلاقي في الإسلام فهو ليس مجرد وصايا فحسب، ولا يقتصر في مقام الإجراء على الحس الأخلاقي، بل يعتمد أيضا على قدرة فوق