الدليل الثالث: إذا وعد بالكذب لو قال الإنسان لأكذبن غدا، فإن حسن منه الصدق بإيفاء الوعد، لزم حسن الكذب، وإن قبح كان الصدق قبيحا فيحسن الكذب.
توضيح الاستدلال: أنه إذا قال الإنسان: لأكذبن غدا، يلزم حسن أحد الكذبين، لأنه إن حسن العمل بوعده يجب عليه أن يكذب غدا، فيكون هذا الكذب المحقق للعمل بالوعد الحسن، حسنا أيضا.
وإن قبح العمل بالوعد، وبالتالي يلزم عليه - إن أخبر - أن يخبر خبرا صادقا، فما أخبر به وإن كان بذاته صادقا لكنه بالقياس إلى ما وعد به، كاذب والمخاطب يتصور أنه خبر كاذب، وإنما يكون صادقا لو أخبر بخبر كاذب لا ما إذا أخبر بخبر صادق، ولو أخبر عن صدق يعد كاذبا بالنسبة إلى ما وعد.
ومراده من الصدق هو الإخبار عن كذب، كما أن مراده من الكذب هو الإخبار عن صدق، الذي يعد بالنسبة إلى ما وعد خبرا كاذبا.
وقد أجاب العلامة الحلي عن الاستدلال الذي هو أشبه باللغز من الدليل، بقوله: بأنه يجب عليه ترك الكذب في غد، لأنه إذا كذب في الغد فعل شيئا فيه جهتا قبح وهو العزم على الكذب وفعله، ووجها واحدا من وجوه الحسن وهو الصدق، وإذا ترك الكذب يكون قد ترك ثمة العزم والكذب وهما وجها حسن، وفعل وجها واحدا من وجوه القبح وهو الكذب. (1) هذا والصحيح أن يقال: إن هناك أمرين:
الأول: العمل بالوعد وهو حسن.
الثاني: إن العمل بالوعد الحسن يتحقق في المقام في ضمن الكذب وهو أمر قبيح.