مطلقا لو ثبتا شرعا. وقد أوضحه العلامة في شرحه بقوله: وتقريره: إنهما لو ثبتا شرعا لم يثبتا لا شرعا ولا عقلا.
توضيحه: أنا لو لم نعلم حسن بعض الأشياء وقبحها عقلا لم نحكم بقبح الكذب، فجاز وقوعه من الله - تعالى عن ذلك علوا كبيرا - فإذا أخبرنا عن شئ أنه قبيح لم نجزم بقبحه، وإذا أخبرنا عن شئ أنه حسن لم نجزم بحسنه، لتجويز الكذب، ولجوزنا أن يأمرنا بالقبيح وأن ينهانا عن الحسن، لانتفاء حكمته تعالى على هذا التقرير. (1) وخلاصة الدليل: أنه لو لم نعرف حسن الأفعال وقبحها شرعا إلا عن طريق إخبار الأنبياء، فإذا قالوا: الصدق حسن والكذب قبيح، لا يحصل لنا العلم بصدق القضية، إذ نحتمل أن يكون المخبر كاذبا.
ولو قيل إنه سبحانه شهد على صدق مقالة أنبيائه، فنقول: إن شهادته سبحانه لم تصل إلينا إلا عن طريقهم، فمن أين نعلم صدقهم في كلامهم هذا؟
أضف إلى ذلك من أين نعلم أنه سبحانه - والعياذ بالله - لا يكذب؟
فهذه الاحتمالات لا تندفع إلا باستقلال العقل - قبل كل شئ - بحسن الصدق وقبح الكذب، وأنه سبحانه منزه عن القبح.
غير أن الفاضل القوشجي شرح كلام المحقق الطوسي بنحو آخر وقال: لو لم يثبت الحسن والقبح إلا بالشرع لم يثبت أصلا، لأن العلم بحسن ما أمر به الشارع، أو أخبر به عن حسنه، وبقبح ما نهى عنه، أو أخبر عن قبحه، يتوقف على أن الكذب قبيح لا يصدر عنه، وأن الأمر بالقبيح والنهي عن الحسن سفه وعبث لا يليق به. (2)