هو به، ونحن نعلم أن من أدرك هذه الحقيقة عرف التحقق ولم يخطر بباله كونه حسنا أو قبيحا، فلم يدخل الحسن والقبيح إذا في صفاتهما الذاتية التي تحققت حقيقتهما ولا لزمتهما في الوهم بالبديهة. (1) يلاحظ عليه: بما مر من أن المراد من الذاتي ليس هو الذاتي المصطلح عليه في باب الإيساغوجي الذي يكون فيه إما جنسا للشئ أو فصلا كالحيوان أو الناطق بالنسبة إلى الإنسان، وإنما المراد من الذاتي هنا ما يشبه الذاتي بباب البرهان، وإن كان يفارقه من جهة كما أشرنا إليه سابقا، والمراد أن الإنسان إذا عرض العدل والظلم على البعد الروحاني والبعد الملكوتي من نفسه يجد فيه تمايلا ورغبة في العدل وتنفرا من الكذب على وجه يستحسن ذوقه العدل ويقبح الظلم.
نعم تسمية هذا بالذاتي بباب البرهان لأجل الإيضاح.
الدليل الثامن: الاستدلال بالدليل النقلي ما اعتمد عليه العضدي في مواقفه والجرجاني في شرحه، قال الأول: من السمع قوله تعالى: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) *.
وقال الثاني في شرحه: لو حسن الفعل أو قبح عقلا لزم تعذيب تارك الواجب ومرتكب الحرام سواء ورد في الشرع أو لا، بناء على أصلهم من وجوب تعذيب من استحق إذا مات غير تائب، واللازم باطل لقوله تعالى: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) *. (2) وحاصل الاستدلال: أنه لو كان العقل كافيا للتحسين والتقبيح، وفي التالي في التثويب والتعذيب، لزم أن يقول في قوله سبحانه: * (رسلا مبشرين ومنذرين