الثالث: ما لا يكون علة ولا مقتضيا للحسن والقبح، وإنما يوصف بأحدهما لأجل طروء عناوين مختلفة عليه، وهذا كضرب اليتيم، فهو ليس بحسن ولا قبيح، إلا أنه حسن إذا كان بعنوان التأديب وقبيح إذا كان بعنوان الانتقام والتشفي.
وعلى ذلك فيظهر الجواب على الكذب النافع والصدق الضار، إذ ليس الصدق والكذب بالنسبة إليهما إلا مقتضيا على وجه لولا المانع لأثرا. والمفروض اقترانه بالمانع، بل يمكن عدهما من القسم الثالث فلا يوصفان بأحدهما مع طروء عنوان القبيح على الصدق، وطروء عنوان الحسن على الكذب.
يلاحظ عليه: أن الصدق وإن كان ربما يوصف بالقبح إذا كان متضمنا لهلاك النبي، أو الكذب يوصف بالحسن إذا كان متضمنا لإنقاذه، لكن هذا ليس بمعنى تبدل حسن الصدق إلى القبح، وقبح الكذب إلى الحسن، بل معناه أن هناك عناوين تطرأ على فعل الإنسان، كإنقاذ النبي عند الكذب، وهلاكه عند الصدق، فتنبثق مسألة أخرى وهي تقديم الأصلح والأهم من الأمرين على غيرهما.
فالإنسان مكلف بحكمين:
أ. صيانة النبي وإنقاذه، وهو أمر حسن.
ب. حرمة الكذب، وهو أمر قبيح.
ولا يمكن التوفيق بينهما، لأن العقل يحكم بانتخاب الأهم منها، وليس هو إلا إنقاذ النبي وإن استلزم الكذب.
فعلى ضوء هذا الجواب فحسن الأفعال وقبحها ثابتان غير زائلين، غير أن التزاحم دفع العقل إلى انتخاب الأهم والأصلح وتقديمها على الراجح والمهم، ونفس هذا التقديم عين العدل، لأنه من قبيل وضع الشئ، في محله.