وكلا البناءين باطلان، لأن علمه واستغناءه تعالى يمنع عن صدور ما لا يكون جهات كماله وخيره غالبا على جهات نقصه وشره، وصدورها معها على سبيل الوجوب لا ينافي الاختيار وإلا لم يكن بالاختيار أصلا ولو منه تعالى كما لا يخفى. (1) الدليل السادس: جواز التكليف بما لا يطاق شرعا اعتمد الرازي في إنكاره للحسن والقبح العقليين على أن التكليف بما لا يطاق قبيح عقلا عند العدلية مع أن الشرع أمر به، قال: إن من صور النزاع قبح تكليف ما لا يطاق، فنقول:
1. لو كان قبيحا لما فعله الله تعالى، وقد فعله بدليل أنه كلف الكافر بالإيمان، مع علمه بأنه لا يؤمن وعلمه بأنه متى كان كذلك كان الإيمان منه محالا.
2. لأنه كلف أبا لهب بالإيمان، ومن الإيمان تصديق الله تعالى في كل ما أخبر عنه، ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن، فقد كلفه بأن يؤمن بأنه لا يؤمن، وهو تكليف الجمع بين الضدين. (2) يلاحظ عليه: أن الرازي تصور أنه قد وقف على دليل حاسم في المقام، فاستدل بما ذكرته المجبرة قبله بقرون وأجابت عنه العدلية بوجوه، وقال الرازي في بعض كلماته: لو اجتمعت جملة العقلاء لم يقدروا على أن يوردوا على هذا الوجه حرفا إلا بالتزام مذهب هشام وهو أنه تعالى لا يعلم الأشياء قبل وقوعها. (3) أقول: إن ما نسبه إلى هشام بن الحكم فرية عليه كما أوضحناه في محله (4)، وأما الإجابة عن الدليلين الأولين فلأن علمه الأزلي لم يتعلق بصدور كل فعل من