وبذلك يعلم أن ما ربما يقال من أن الحسن والقبح واقعيتان يدركهما العقل، كلام مجمل، فإن أرادوا بذلك أن العقل بنفسه يكشف عن واقعية وراء واقعيتهما في الخارج، مع قطع النظر عن الإنسان ودركه ومطابقته للبعد العلوي منه، فهو أمر مقطوع البطلان، إذ ليس للحسن والقبح مطابق ومصداق خارجي.
وإن أرادوا أن الإنسان عند تطبيق الأفعال على البعد العلوي والواقعية الإنسانية يجد في صميم ذاته الملائمة والمنافرة، فهذا أمر صحيح كما ذكرناه غير مرة.
إذا علمت ذلك فلنتناول أدلة المنكرين للتحسين والتقبيح العقليين.
الدليل الأول: لو كانا بديهيين لما اختلف فيه اثنان لو كان العلم بحسن بعض الأفعال وقبحها ضروريا لما وقع التفاوت بينه وبين العلم بزيادة الكل على الجزء، والتالي باطل بالوجدان، لوقوع الاختلاف بين العلمين، وأن العلم بزيادة الكل على الجزء أوضح وأبين من التحسين والتقبيح، فالمقدم مثله، لأن العلوم الضرورية لا تتفاوت.
وأجاب عنه المحقق الطوسي، بجواز التفاوت في العلوم لا سيما في تصوراتها، وأوضحه العلامة الحلي، بأن العلوم الضرورية قد تختلف تبعا لاختلاف التصورات.
أقول: إن دليلهم هذا رد الدليل الأول للمثبتين، حيث قالوا: إن الحسن والقبح من البديهيات العقلية، فردت الأشاعرة عليهم بوجود فوارق بين سائر البديهيات وهذا النوع من الإدراك.
والجواب ما ذكره المحقق الطوسي بإيضاح منا، وهو: أن القضايا اليقينية في القياس تتمتع بالبداهة وهي ستة: الأوليات، المشاهدات، التجربيات، الحدسيات،