وهذا هو السبب في انقسام الحكمة العملية إلى قضايا واضحة قائمة على ساقها، وقضايا غير بديهية تستمد حكمها من خلال الاستعانة بالقضايا الواضحة.
يقول التفتازاني في تقسيم قضايا الحكمة النظرية إلى قسمين:
الضرورة أي الحصول بلا نظر، والاكتساب أي الحصول بالنظر. (1) ويقول صاحب البصائر النصيرية: إن المقدمات في القياس يجب أن تنتهي إلى أمور غنية عن البيان، ولو كان الجميع من القضايا النظرية المحتاجة إلى البيان لامتنع تحصيل العلم، لأن كل مقدمة تحتاج إلى الأخرى ويذهب إما إلى غير النهاية، أو يكون الأخير من المقدمات موقوفة على الأولى، وهو الدور.
فللابتعاد عن التسلسل والدور الباطلين لا محيص عن تقسيم الحكمة النظرية إلى بديهي ونظري. (2) وهذا البيان جار في الحكمة العملية، فإن القضايا التي يحكم العقل بحسنها وقبحها ومدح الفاعل وذمه وبإلزام العمل على وفقه أو الاجتناب عنه، لا تخلو عن حالتين:
إما أن تكون قضايا تامة يدركها العقل بلا توسيط مقدمة، وهي قضايا ضرورية من العقل العملي.
وإما لا يدركها إلا بإرجاعها إلى قضايا أخرى حتى تنتهي إلى أم القضايا العملية البديهية لتكون مفتاحا لحل سائر القضايا. وهي حسن العدل وقبح الظلم.