ثم يطرح الإشكال التالي ويقول:
قد عد الحكماء حسن العدل وقبح الظلم من المقبولات، وذلك لما فيها من المصلحة والمفسدة العامتين، ومن الواضح أن المقبولات مادة للقياس الجدلي لا للقياس البرهاني، فعندئذ كيف يمكن عدها من الضروريات والأوليات التي هي مبدأ للبرهان؟
وأجاب قائلا: إنه لا مانع من أن تدخل قضية واحدة من جهة تحت اليقينيات، ومن جهة أخرى تحت المقبولات، وحيث إنها من القضايا الضرورية التي لا يشك فيها كل من رجع إليها، مع قطع النظر عن المصلحة أو المفسدة، فهي من الأوليات، إلا أن هذا لا يمنع من اندراجها تحت المقبولات لترتب المصالح والمفاسد العامة عليها ". (1) ووافقه الحكيم السبزواري في " شرح الأسماء الحسنى "، حيث قال:
إن منع جزم العقلاء بالحسن والقبح بالمعنى المتنازع فيه مكابرة غير مسموعة، وقد يستشكل دعوى الضرورة في القضية القائلة بأن " العدل حسن " و " الظلم قبيح " بأن الحكماء جعلوها من المقبولات العامة التي هي مادة الجدل، فجعلهما من الضروريات التي هي مادة البرهان غير مسموعة.
والجواب: إن ضرورة هذه الأحكام بمرتبة لا تقبل الإنكار، بل الحكم ببداهتها أيضا بديهي، غاية الأمر أن هذه الأحكام من العقل النظري بإعانة العقل العملي، بناء على أن فيها مصالح العامة ومفاسدها، وجعل الحكماء إياها من المقبولات العامة ليس الغرض منه إلا التمثيل للمصلحة والمفسدة المعتبر فيه قبول عموم الناس لا طائفة مخصوصة، وهذا غير مناف لبداهتها، إذ القضية