وأما كلام المحقق الطوسي في شرحه على الإشارات فلا يخلو عن إجمال، فصدر العبارة يوافق نظرية الشيخ، وأما ذيلها فكأنه يشير إلى أن الحكمة العملية مبدأ للتحريك لا للإدراك، يقول:
قوى النفس تنقسم بالقسمة الأولى، إلى ما يكون باعتبار تأثيرها في البدن، الموضوع لتصرفاتها، مكملة إياه تأثيرا اختياريا، وإلى ما يكون باعتبار تأثيرها عما هو فوقها، مستكملة في جوهرها بحسب استعداداتها وتسمي الأولى عقلا عمليا، والثانية عقلا نظريا، والشيخ بدأ بالأولى لأنها أظهر، فالشروع في العمل الاختياري الذي يختص بالإنسان لا يتأتى إلا بإدراك ما ينبغي أن يعمل في كل باب وهو إدراك رأي كلي مستنبط من مقدمات كلية: أولية أو تجربية أو ذائعة أو ظنية يحكم بها العقل النظري، ويستعملها العقل العملي في تحصيل ذلك الرأي الكلي من غير أن يختص بجزئي دون غيره، والعقل العملي يستعين بالنظري في ذلك.
ثم إنه ينتقل من ذلك باستعمال مقدمات جزئية أو محسوسة إلى الرأي الجزئي الحاصل فيعمل بحسبه ويحصل بعمله مقاصده في معاشه ومعاده. (1) وأنت ترى أن العبارة يكتنفها الكثير من الغموض ولكن الظاهر من عبارته في " الجوهر النضيد " هو أنها من مقولة الإدراك حيث يقول: ومبادئ الجدل عند السائل هي ما يتسلمه عن المجيب، وهي المشهورات الحقيقية إما مطلقة يراها الجمهور ويحمدها حسب العقل العملي كقولنا: العدل حسن ويسمى آراء محمودة.... (2) هذا وقد تبعه الحكيم السبزواري في شرح منظومته، فنقل عبارة المعلم الأول وشرحها على الرغم من أنه ذكر في آخر كلامه عبارة صاحب " المحاكمات " التي تخالف تلك النظرية.