فالملاك بهذا المعنى يوجب الهرج والمرج في باب وصف الأفعال بأحدهما، لأن الأفعال الكفيلة بتحقيق تلك الأغراض، تختلف باختلاف الأشخاص، فعندئذ تكون حسنة عند شخص وقبيحة عند آخر، وليس مثل هذا البحث لائقا بالبحث الكلامي.
ب. أن يكون المراد منها المصالح والأغراض النوعية التي يدور عليها بقاء النظام، وهذا كالعدل الذي يقيم النظام، والظلم الذي يهدمه.
إن اتخاذ المصالح والأغراض النوعية ملاكا للقضاء بأحد الوصفين وإن كانت تصلح أن تكون ملاكا للحسن والقبح في أفعال الإنسان ولكنها لا تصلح لوصف أفعاله سبحانه بالحسن والقبح، وقد سبق منا القول إن السبب من وراء طرح هذه المسألة في المسائل الكلامية هو الوقوف على أفعاله سبحانه وما يجوز عليه أو ما لا يجوز، ومن الواضح أن فعله سبحانه فوق المصالح والأغراض التي لا تكون ملاكا لوصف فعله بالحسن والقبح، مثلا أخذ البرئ بذنب المجرم فعل قبيح ولا صلة له بالمصالح والمفاسد، ولأجل ذلك يجب أن يكون الملاك شاملا لأفعال الواجب والممكن.
وبعبارة أخرى: إن البحث عن الحسن والقبح العقليين هو فوق مستوى البحث عن الحسن والقبح العقلائيين، فالملاك في الثاني هو ما مر آنفا من موافقة الفعل للمصالح النوعية ومخالفتها، وهذا النوع من البحث بحث أخلاقي ويصلح أن تكون المصالح والأغراض رصيدا للحكم بالحسن والقبح في ذلك الإطار.
وأما الملاك في الأول الذي يعم الممكن والواجب، فهو ملاك أوسع من سابقه، لما عرفت من أن فعل البارئ هو فوق مستوى المصالح والمفاسد النوعية.