والتقبيح العقليين، ولكنه لم يلتزم بالملازمة، وقال: والحق ثبوت الحسن والقبح العقليين، ولكن في إثبات الحكم الشرعي - كالوجوب والحرمة - بهما نظر وتأمل، لأن قوله تعالى: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * (1) ظاهر في أن العقاب لا يكون إلا بعد بعثة الرسول، فلا وجوب ولا تحريم إلا وهو مستفاد من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).
وأيضا أن العقل يحكم بأنه يبعد من الله توكيل بعض أحكامه إلى مجرد إدراك العقول مع شدة اختلافها في الإدراكات من غير انضباطه بنص، أو شرع، فإنه يوجب الاختلاف والنزاع، مع أن رفعه من إحدى الفوائد لإرسال الرسل ونصب الأوصياء. (2) يلاحظ عليه أولا: أنه إذا وقف العقل على الملازمة بين حسن الشئ والبعث إليه، وقبحه والزجر عنه، يستكشف بيان الشارع أيضا عن طريق رسوله غير أن هذا الرسول، رسول باطني لا ظاهري كما في رواية هشام عن الكاظم (عليه السلام): " يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة. أما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة، وأما الباطنة فالعقول ". (3) وثانيا: خروج ما ذكره عن محط البحث، إذ ليس البحث في إدراك مناطات الأحكام وملاكاتها حتى يستكشف منها حكم الشرع، ليرد عليه بأنه يبعد من الله توكيل بعض أحكامه إلى مجرد إدراك العقول مع شدة اختلافها في الإدراكات من غير انضباطه بنص أو شرع... وإنما الكلام في الملازمة بين حسن الشئ وقبحه، وليسا من الأمور التي تختلف فيها العقول، لوضوح درك حسن الشئ وقبحه إذا عرض الفعل على الفطرة.