تركه، وقد يجوز الترك في بعضها والفعل في بعضها الآخر، ومن الواضح أنه يدرك أن بعض هذه الأفعال مما لا يرضى الله بتركه ويريده من عباده بعنوان اللزوم، وبعضها مما لا يرضى بفعله ويريد تركه بعنوان اللزوم، ولازم ذلك أنه تعالى طلب منا الفعل والترك بلسان العقل.
فكما أن الرسول الظاهر يبين أحكام الله وأوامره ونواهيه فكذلك العقل يبين بعضها، فمن حكم عقله بوجود المبدع الحكيم القادر، العدل الصانع، العالم، يحكم بأنه يجازي العبد القوي بسبب ظلمه على العبد الضعيف بالعقاب، وكذلك الودعي الذي أئتمنه عبد من عباده لا سيما إذا كان ذلك العبد محتاجا غاية الاحتياج بسبب ترك ردها إليه، ويجازي العبد القوي الرفيع برأفته على العبد الضعيف العاجز المحتاج، بالثواب، فلو لم يكن نهانا عن الظلم وأمرنا برد الوديعة، ولم يكن الظلم وترك الرد مخالفة له، لما حكم العقل بمؤاخذة الله وعقابه، فإن القبح الذاتي يكفي فيه محض استحقاق الذم، فيثبت من ذلك أن الظلم حرام شرعا ورد الوديعة واجب شرعي.
ثم أورد على نفسه إشكالا وقال: إن الثواب والعقاب إنما يترتبان على الإطاعة والمخالفة لا غير، والإطاعة والمخالفة لا تتحقق إلا بموافقة الأوامر والنواهي من الكتاب والسنة ومخالفتهما، وحيث لا أمر ولا نهي ولا خطاب فلا إطاعة ولا ثواب ولا عقاب.
ثم أجاب عنه: بأن انحصار الطاعة والمخالفة في موافقة الخطاب اللفظي ومخالفته، دعوى بلا دليل، بل هما موافقة طلب الشارع ومخالفته وإن كان ذلك الطلب بلسان العقل، ونظير ذلك أن الله تعالى إذا كلف نبيه بواسطة إلهام من دون نزول وحي من جبرئيل (عليه السلام) وإتيان كلام، وامتثله النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)