، فجعل يرد ذلك بقوله:
إن الحسن والقبح ذاتيان، والوجوب والحرمة شرعيان، وأنه لا ملازمة بينهما، والمعتزلة لا ينكرون أن الله تعالى هو الشارع للأحكام وإنما يقولون إن العقل يدرك أن الله شرع أحكام الأفعال بحسب ما يظهر من مصالحها ومفاسدها، فهو طريق عندهم إلى العلم بالحكم الشرعي، والحكم الشرعي تابع لهما لا عينهما، فما كان حسنا جوزه الشارع وما كان قبيحا منعه، فصار عند المعتزلة حكمان أحدهما عقلي والآخر شرعي تابع له. (1) يلاحظ على كلامه، أولا: زعمه أن النزاع في الملازمة بين المصلحة والوجوب، والمفسدة والحرمة، مع أنك عرفت أن النزاع في غيره.
نعم هناك نزاع آخر في أن أحكام الشارع تابعة للمصالح والمفاسد أولا، ولا يمت إلى بحثنا بصلة.
وثانيا: تصور أن القول بالملازمة يخرج الشارع عن كونه شارعا للحكم، ولذلك قال: إن المعتزلة لا ينكرون أن الله هو الشارع للأحكام.
أقول: إن المعتزلة وعموم المسلمين لا ينكرون أن الله هو الشارع، وليس القول بالملازمة بمعنى نفي كونه سبحانه شارعا، بل معناه استكشاف حكمه الذي هو فعله من ذلك الطريق.
ثم إنه أقام الدليل على نفي الملازمة، وقال: إن هنا أمرين:
الأول: إدراك العقل حسن الأشياء وقبحها.
الثاني: إن ذلك كاف في الثواب والعقاب وإن لم يرد في الشرع، ولا تلازم بين الأمرين بدليل قوله سبحانه: * (ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها