المفروض عدم سعة مدركه، واختصاص درك الحسن والقبح لفاعل مختار خاص كالإنسان.
وأما إذا كان المدرك بنحو ما ذكر في القسم الثاني، فالفاعل المختار يصدق على الممكن والواجب، وعليه فيكون الفعل الموصوف بالحسن والقبح عند الإنسان هو أيضا كذلك عند الواجب عز اسمه.
والدليل على أن ما يدركه العقل أمر واسع يعم كلا الفاعلين هو ما أقمنا برهانه من أن الموضوع للحسن والقبح هو نفس الفعل، بغض النظر عن فاعل خاص، بل مع غض النظر عما يترتب عليه من المصالح والمفساد، فإذا كان هذا هو الموضوع فما وقف عليه العقل بفطرته، أمر واقعي يكون الواجب والممكن أمامه سواء.
وهذا نظير إدراكات العقل في مجال الحكمة النظرية، فلو أدرك العقل بفضل البداهة أو التجربة بأن زوايا المثلث تساوي قائمتين، فقد أدرك أمرا واقعيا من دون مدخلية للمدرك في حقيقتها، فإذا كانت زوايا المثلث محكومة بهذا الحكم فإنما هو لأجل طبيعة المثلث، فإذا كان كذلك، فالمعلوم عند الإنسان هو نفس المعلوم عند الله، والفرق بين العقل النظري والعملي أن مدركاته في الأول إخبار عن الواقع، كما أن مدركاته في الثاني إنشاء وبعث وزجر.
ثم إن للمحقق القمي بيانا وافيا في هذا الموضوع نقتبس منه ما يلي، يقول:
إن العقل يدرك الحسن والقبح بمعنى أن بعض الأفعال على وجه يستحق فاعله من حيث هو فاعله، المدح، وبعضها على وجه يستحق فاعله من حيث فاعله، الذم، سواء أكان فيه من الشرع خطاب أم لم يكن، فإنه يدرك في شئ حسنا لا يرضى بتركه، ويحكم بلزوم الإتيان به، وفي بعضها قبحا يحكم بلزوم