فهذه الواجبات الثلاثة عند الإلهي، ليست في وضوح " العدل حسن " أو " اعمل لتعيش "، ولذلك يستدل عليها الإلهيون ويوضحونها بالبراهين.
ومن هنا يظهر أن الفرائض الأخلاقية والاجتماعية والسياسية إما واضحة بالذات، يحكم العقل فيها بالوجوب والتحريم استقلالا، وإما قضايا نظرية تنتهي إلى البديهية.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى ما نحن فيه من تأثير القضايا النظرية في العملية على وجه المقتضي.
إن الحكمة النظرية لها دور في تعيين الصغرى، وأما الحكمة العملية التي تكون بمنزلة الكبرى فهي إما واضحة بالذات أو منتهية إليها، ولنوضح ذلك بمثال:
الله هو المنعم.
وكل منعم يجب شكره.
فنستنتج: الله يجب شكره.
فالنتيجة حكمة عملية، متوقفة على صغرى وكبرى، ولا يمكن الاستنتاج بواحدة منهما.
لكن الصغرى تعين الموضوع وتثبت بأن ما سوى الله فيض من فيوضه سبحانه، إذ هو معطي الوجود ومفيضه، ومعلوم أن الصغرى لا تتضمن حكما عمليا، وإنما توحي إلى أن ما في الكون ينتهي إلى الله وهو المنعم.
وأما الكبرى فهي التي تفرض الشكر على الإنسان، فهي ليست مستنتجة من نفس الصغرى، بل مستنتجة من براهين سابقة عليها واضحة للعقل، فإذا ضمت إلى الصغرى نستنتج حكما عمليا جزئيا.