والحكم في مثلهما ثابت ولا تبديل ولا تغير فيه، وبه يظهر أن الأصول الأخلاقية أو المحسنات والمقبحات العقلية أصول ثابتة، لا تتغير ولا تتبدل، وتوهم نسبية هذه الأصول كما ذهبت إليه الماركسية سخيف جدا وبالجملة لا تغيير في ناحية التحسين والتقبيح الذاتيين.
ولكن الجواب الثاني أولى من هذا الجواب فإن ظاهره هو اختصاص الحكم العقلي بالتحسين والتقبيح الذاتيين دون العرضيين، مع أن قضية الصدق حسن، ما لم تنضم إليها جهة القبح صحيحة بحكم العقل، لكونه عدلا في القول، حيث إن حق السامع والمخاطب، هو إلقاء الكلام المطابق للواقع له، فإلقاء الكلام الصدق عدل في القول، ولو لم يكن مفيدا للمجتمع، نعم يعتبر في صدق العدل عليه عدم انضمام جهة القبح إليه فالصدق ما لم ينضم إليه جهة القبح مقتض للحسن، لصدق العدل عليه، والعدل يكفي للتوسيط، ولا حاجة إلى قيد الإفادة، كما أنه إذا انضم إليه جهة القبح صار ظلما، والكذب بالعكس، فالتحسين والتقبيح في مثل الصدق والكذب يكونان عرضيين ويختلفان باختلاف الوجوه والاعتبارات، فلا وجه لانحصار الحكم العقلي في التحسين والتقبيح الذاتيين، لأن الصدق ولو لم يكن مفيدا حسن عقلا، لكونه مصداقا للعدل، والكذب ولو لم يكن مضرا قبيح عقلا، لكونه خلاف الواقع فلا حاجة في تحسين الصدق وتقبيح الكذب إلى قيد الإفادة أو الاضرار، نعم يحتاج إليهما في التحسين والتقبيح الذاتيين بناء على مدخليتهما في الموضوع الأصلي والعنوان الذاتي.
ثم إن الموضوع الأصلي للحسن والقبح كما عرفت هو عنوان العدل والظلم اللذين هما من العناوين الذاتية الحسنة والقبيحة، ولذا لا يتغير حكمهما وأما الصدق المفيد والكذب المضر فهما باعتبار كونهما مصداقين للعدل والظلم مشمولان للحسن والقبح، وليسا من العناوين الذاتية، ولذا يمكن أن يكون