الثالث: ما لا علية ولا اقتضاء له بالنسبة إلى الحسن والقبح كالضرب فهو لا يتصف بهما ما لم يترتب عليه مصلحة أو مفسدة، فإذا ترتب عليه مصلحة التأديب كان حسنا باعتبار اندراجه تحت عنوان العدل، وإذا ترتب عليه مفسدة، كالتشفي والتجاوز كان قبيحا باعتبار اندراجه تحت عنوان الظلم وإذا لم يترتب عليه شئ كضرب الساهي أو النائم فلا يتصف بهما.
فإذا عرفت ذلك، فاعلم أن حسن الأشياء وقبحها على أنحاء، فما كان ذاتيا لا يقع فيه اختلاف فإن العدل بما هو عدل لا يكون قبيحا أبدا. وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون حسنا أبدا، أي أنه ما دام عنوان العدل صادقا فهو ممدوح، وما دام عنوان الظلم صادقا، فهو مذموم. وأما ما كان عرضيا، سواء كان مقتضيا لهما أم لا فإنه يختلف بالوجوه والاعتبارات، فمثلا الصدق أو الضرب، إن دخل تحت عنوان العدل كان ممدوحا، وإن دخل تحت عنوان الظلم كان قبيحا، ولكن الاختلاف في ناحية الموضوع لا في ناحية الحكم، بعد ما عرفت من أن اتصاف الأفعال بهما، فيما إذا لم تكن علة لهما باعتبار اندراجهما في العناوين الحسنة أو القبيحة الذاتية، وأما الحكم بحسن العدل وقبح الظلم فهو ثابت، ولا تغير فيه، فالتغير في الموضوعات فإنهما قد تكون مصداق العدل فيتصف بالحسن وقد تكون مصداق الظلم فتتصف بالقبح فلا تغفل.
(وثالثها): ما أفاده بعض المحققين من أن الموضوع في قولنا الصدق حسن، ليس مطلق الصدق، بل الصدق المفيد بقيد المفيد، وحمل الحسن على مطلق الصدق من المشهورات التي لا تكون برهانا، بل لا يفيد إلا ظنا، لأن الحسن ليس محمولا على الصدق ذاتا بما هو صدق، بل يحتاج إلى حد وسط، وهو كونه مفيدا بحال المجتمع، فهذا التعليل يعمم ويخصص، فكل شئ يفيد بحال المجتمع ولو كان هو الكذب حسن، وكل شئ يضر بحال المجتمع ولو كان هو الصدق قبيح، فالموضوع الأصلي للحسن أو القبح هو المفيد أو المضر للمجتمع