يحيى، أنا أبو علي الرماني، ثنا ابن الحصين، أنا ابن المذهب، أنا أبو بكر بن حمدان، أنا عبد الله، حدثني أبي، ثنا ابن نمير، عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زاذان بن عمر، قال: سمعت عليا في الرحبة وهو ينشد الناس: من شهد رسول صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال؟ فقام ثلاثة عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه.
وروينا عن أبي عمر بن عبد البر رحمه الله، قال، حدثنا عبد الله بن محمد بن يوسف، ثنا يحيى بن مالك بن عائذ، ثنا أبو الحسن محمد بن محمد بن مقلة البغدادي بمصر، ثنا أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد، ثنا العكلي، عن الحرمازي، عن رجل من همدان، قال: معاوية لضرار الصدائي: يا ضرار صف لي عليا، قال: اعفني يا أمير المؤمنين، قال: لتصفنه. قال أما إذ لا بد من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته، وكان غزير الدمعة طويل الفكرة، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما خشن، كان فينا كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، وينبئنا إذا استنبأناه، ونحن والله مع تقريبه إيانا وقربه منا لا نكاد نكلمه هيبة له.
يعظم أهل الدين، ويقرب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته، يتململ تململ السليم ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا غري غيري، إلي تعرضت أم إلي تشوفت؟ هيهات هيهات! قد باينتك ثلاثا لا رجعة فيها، فعمرك قصير وخطرك حقير. آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال: حزن من ذبح واحدها في حجرها.