نور الأفهام في علم الكلام - السيد حسن الحسيني اللواساني - ج ١ - الصفحة ٤٣٠
الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) [٤٠].
إيها بني قيلة [٤١] أأهضم تراث أبي وأنتم بمرأى مني ومسمع ومنتدى ومجمع؟ تلبسكم الدعوة، وتشملكم الخبرة، وأنتم ذوو العدد والعدة والأداة والقوة، وعندكم السلاح والجنة، توافيكم الدعوة فلا تجيبون، وتأتيكم الصرخة فلا تغيثون، وأنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح، والنجبة التي انتجبت، والخيرة التي اختيرت، قاتلتم العرب، وتحملتم الكد والتعب، وناطحتم الأمم، وكافحتم البهم، فلا نبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون، حتى إذا دارت بنا رحى الإسلام، ودر حلب الأيام، وخضعت ثغرة الشرك، وسكنت فورة الإفك، وخمدت نيران الكفر، وهدأت دعوة الهرج، واستوسق نظام الدين، فأنى حرتم بعد البيان، وأسررتم بعد الإعلان؟ ونكصتم بعد الإقدام، وأشركتم بعد الإيمان (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) [٤٢].
ألا قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، وأبعدتم من هو أحق بالبسط والقبض، وخلوتم بالدعة [٤٣] ونجوتم من الضيق بالسعة، فمججتم ما وعيتم، ودسعتم [٤٤] الذي تسوغتم (فإن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد) [٤٥].
ألا وقد قلت ما قلت على معرفة مني بالخذلة التي خامرتكم، والغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس، ونفثة الغيظ، وخور القنا، وبثة [٤٦] الصدر، وتقدمة الحجة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر، نقبة الخف، باقية العار، موسومة بغضب الله وشنار الأبد، موصولة ب (نار الله الموقدة * التي تطلع على الأفئدة) [٤٧] فبعين الله ما تفعلون (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) [٤٨].
أنا ابنة (نذير لكم بين يدي عذاب شديد) [٤٩] (اعملوا على مكانتكم إنا عاملون) [٥٠] و (انتظروا إنا منتظرون) [٥١].
فأجابها أبو بكر عبد الله بن عثمان، فقال: يابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد كان أبوك بالمؤمنين عطوفا كريما، رؤوفا رحيما، وعلى الكافرين عذابا أليما، وعقابا عظيما، فإن عزوناه وجدناه أباك دون النساء، وأخا لبعلك دون الأخلاء، آثره على كل حميم، وساعده على كل أمر جسيم، لا يحبكم إلا كل سعيد، ولا يبغضكم إلا كل شقي، فأنتم عترة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الطيبون، والخيرة المنتجبون، على الخير أدلتنا، وإلى الجنة مسالكنا، وأنت يا خيرة النساء وابنة خير الأنبياء صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردودة عن حقك، ولا مصدودة عن صدقك، ووالله ما عدوت رأي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولا عملت إلا بإذنه، وإن الرائد لا يكذب أهله، وإني أشهد الله وكفى به شهيدا أني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " نحن معاشر الأنبياء لا نورث ذهبا ولا فضة ولا دارا ولا عقارا، وإنما نورث الكتب والحكمة والعلم والنبوة، وما كان لنا من طعمة فلولي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه " وقد جعلنا ما حاولته في الكراع [٥٢] والسلاح يقاتل به المسلمون ويجاهدون الكفار، ويجالدون المردة ثم الفجار، وذلك بإجماع من المسلمين، لم أنفرد به وحدي، ولم أستبد بما كان الرأي فيه عندي، وهذه حالي ومالي هي لك وبين يديك، لا نزوي [٥٣] عنك، ولا ندخر دونك، وأنت سيدة أمة أبيك، والشجرة الطيبة لبنيك، لاندفع مالك من فضلك، ولا يوضع من فرعك وأصلك، حكمك نافذ فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك (صلى الله عليه وآله وسلم)؟
فردت عليه الصديقة (عليها السلام) وقالت: سبحان الله! ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن كتاب الله صارفا، ولا لأحكامه مخالفا، بل كان يتبع أثره، ويقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر؟ اعتلالا عليه بالزور، وهذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكما وعدلا، وناطقا فصلا، يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب) [٥٤] (وورث سليمان داود) [٥٥] فبين عزوجل فيما وزع عليه من الأقساط، وشرع من الفرائض والميراث، وأباح من حظ الذكران والإناث ما أزاح به علة المبطلين، وأزال التظني والشبهات في الغابرين كلا (بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) [٥٦].
فقال أبو بكر: صدق الله، وصدق رسوله، وصدقت ابنته، أنت معدن الحكمة، وموطن الهدى والرحمة، وركن الدين، وعين الحجة، لا أبعد صوابك، ولا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني وبينك، قلدوني ما تقلدت، وباتفاق منهم أخذت ما أخذت، غير مكابر ولا مستبد ولا مستأثر، وهم بذلك شهود.
فالتفتت فاطمة (عليها السلام) إلى الناس وقالت: معاشر الناس المسرعة إلى قيل الباطل، المغضية على الفعل القبيح الخاسر (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [57] كلا بل ران على قلوبكم، ما أسأتم من أعمالكم، فأخذ بسمعكم وأبصاركم، ولبئس ما تأولتم، وساء ما به أسرتم، وشر ما منه اعتضتم، لتجدن والله محمله ثقيلا، وغيه وبيلا، إذا كشف لكم الغطاء، وبان ما وراء الضراء، وبدا لكم من ربكم ما لم تكونوا تحتسبون (وخسر هنالك المبطلون) [58].
ثم عطفت على قبر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالت:
قد كان بعدك أنباء وهنبثة [59] * لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها [60] * واختل قومك فاشهدهم وقد نكبوا وكل أهل له قربى ومنزلة * عند الإله على الأدنين مقترب أبدت رجال لنا نجوى صدورهم * لما مضيت وحالت دونك الترب تجهمتنا رجال واستخف بنا * لما فقدت وكل الأرض مغتصب وكنت بدرا ونورا يستضاء به * عليك تنزل من ذي العزة الكتب وكان جبريل بالآيات يؤنسنا * وقد فقدت فكل الخير محتجب فليت قبلك كان الموت صادفنا * لما مضيت وحالت دونك الكثب إنا رزينا بما لم يرز ذو شجن * من البرية لا عجم ولا عرب ثم انكفأت (عليها السلام) نحو بيتها - وكان علي (عليه السلام) يتوقع رجوعها إليه، ويتطلع طلوعها عليه - ولما